ليس الهدف من الموقع الإساءة الشخصية للمسلم أو السخرية من عقيدته.. هدفنا هو الحوار الموضوعي القائم علي إستخدام الأدلة العقلية بطريقة حيادية ومحترمة
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من كتاب الوقت المقبول. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من كتاب الوقت المقبول. إظهار كافة الرسائل

10 مايو 2009

يسوع الذي أحبنا إلي المنتهي!

"أنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم.. لأني أعطيتكم مثالا"

(إنجيل يوحنا 13: 14)

.

يسوع المسيح يغسل ارجل تلاميذه

.

قبيل آلام الرب كانت بين تلاميذه مشاجرة من يكون فيهم أعظم؟ أما نفسه الحزينة وانكسار قلب, فلم يتسع لها مكان في أفكارهم المضطربة ومناقشاتهم المنحرفة! وكم هو عجيب يا معلم أننا في الجهالة وضعف الأفكار, نفعل ما كانوا يفعلونه في تلك الليلة! فلا نري الصليب الذي كان في ملامح جبينك الظاهر, وتُخفي عن أعيننا الجلجثة التي كانت تطل من عينيك الساهرتين.

.

وعندئذ كانت اللمسة الرقيقة في خدمة غسل الأرجل ليلة العشاء الرباني! وقد كانت لتلك الخدمة ظل ورمز قديم. ففي سفر "الخروج" يقول الرب لموسي "خذ هارون وبنيه أمام المذبح, واغسلهم بماء". فالمغسل كان أولاً ثم المذبح ثانياً. غسل الماء مبكراً ابتداء ثم الذبيحة هي إشارة إلي خدمة يسوع ليله ألامه. إذ إنه كرئيس كهنة يملك في بيت الله, ويخدم المسكن الحقيقي غير المصنوع بأيادي الناس, كان أمامه أن يغسل كهنته الجدد من كل ضعف قبل أن يشتركوا معه في خدمة العهد الجديد. وهكذا كان, انه قبل الجسد المكسور والدم المسفوك لرفع الخطايا والتكفير, قد سبق غسل الأيدي والأرجل من التعديات والإساءات المتكررة كل يوم في جهل وعدم معرفة.

.

وكانت أيضاً خدمة محبة. فلم تستطع ريشة يوحنا الإنجيلي أن تعطي صورة حية لمعلم بأكثر من هذة العبارة "يسوع أحب خاصته الذين في العالم إلي المنتهي"! فالكراهية تكشف عيوب الآخرين وتدينهم, لا تصلح ما فسد, لا تحتمل الأخطاء ولا تغسل الدنس. أما المحبة فتتأني وترفق, لا تغضب ولا تفرح بالإثم, وتستر الخطايا والذنوب. وإذا كنا نعلم جيداً قيمة المحبة وعاطفتها في لحظات وداع الأباء والأزواج والأولاد, فيمكن أن نتصور لهيب محبته وهو يحاول أن يترك لهم شهادة تذكرهم به في أخر لياليه معهم قبل الألأم!

.

وكانت خدمة تواضع ترمز بوضوح إلي سر التجسد العجيب. فقيامته عن العشاء يرمز إلي قيامه عن عرشه السماوي. وخلع ثيابه يرمز إلي خلع أمجاده الأولي. واتزاره بالمنشفة يرمز إلي اتخاذه جسد الضعف واخلائه نفسه في هيئة العبد! وفي تواضع لم يترفع يسوع أن يغسل ويمسح جميع الأرجل, حتي الإسخريوطي! فقد كان له نصيب في هذة الخدمة, ولكن الشيطان كان قد ملأ قلبه وحواسه وأفكاره العمياء البائسة. فما أنبل قلبك يا ملكي! إنك تغسل الأرجل الدنسة التي أسلمتك, والأقدام التي أسرعت وخانتك, والأيادي التي امتدت وباعتك, والشفاه النجسة التي قبلتك بالغدر والخيانة!!

.

والخدمة ترمز أيضاً إلي خدمة الكنيسة, فإنه علي نفس المثال تقدر الكنيسة أن تغسل الذين يلوثون ذواتهم بأتربة هذا العالم, تغسلهم بالتوبة من كل ما يدنس ثيابهم البيضاء. وعلي المثال تجد نفس الخدمة من الأباء والرعاة نحو أولادهم ورعيتهم حيث ينبغي للقوي أن يحتمل ضعف الضعفاء, ويصلح الروحانيون بحكمة وتواضع كل من أنسبق فأخذ في زلة. وإذن لابد أن يكون هناك تفتيش دقيق, ولابد من وجود مياه جارية في المغسل بصورة مستمرة, ولابد من توبة صادقة واعتراف حسن بصفة دائمة. لابد منها جميعها طالما إننا ههنا غرباء نخطيء ونُعثر جميعنا, وذلك من أجل كل أخ وأخت مات المسيح لأجله.

.

فكم نحن محتاجين أن نذكر المسيح وهو يغسل أرجل تلاميذه ويخدم بهذة الصورة المجيدة, محاولين في ذلك أن نضع كل شيء حسب المثال وراء خطواته .. سالكين بروح التوبة والغسل الحقيقة التي كان الماء رمز لها كي نكون دائماً مستعدين بلا عيب وكقول الرسول "مرشوشة قلوبنا من ضمير الشرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي".

16 أبريل 2009

تأملات في بستان جسثيماني

في بستان جسثيماني ..*

.

.

شهد بستان جسثيماني اللحظات الوداعية الأخيرة بين يسوع وتلاميذه, وهذا البستان هو ذلك المكان حيث أمضي يسوع ليلته الأخيرة في مجاهدة وصلاة. وكم أثرت ساعة الجسثيماني في نفس كل قاريء خاشع, وانفعل بها كل قلب حزين وكل نفس متألمة! وهنا في غمرة الهدوء الشامل, لم يسمع يسوع من حوله أي صوت سوي همس الريح لأغصان الزيتون وهي ترقب آلام قلبه الموجعة. وفي وحدته القاسية تساقطت تحت قدميه الأوراق الذابلة لتقدم عزاء الطبيعة لنفس كانت حزينة حتي الموت!

.

نام التلاميذ واستراحوا, غلبهم التعب والحزن علي أمرهم, فاستسلموا لضعف الطبيعة البشرية. أما لهيب صلاة المسيح وتضرعاته, وأنينه الخافت الموجع, فقد امتلأ بها الليل الكبير الواسع, وحملها إلي الاّب ملاك نزل من السماء لحظة ليقويه وقتما كان يشرب كأسه وحيدا, ويدوس معصرته ويصطبغ بصبغة دموية قانية!

.

ومن ناحية أورشليم النائمة, حبيبته وقاتلته, حملت الرياح إليه أصوات الجمهور الكئيب مقبلاً عليه. تفكروا بالباطل, وقاموا معاً علي مسيح الرب, ليلقوا عليه أيادي الظلم, مؤامرة الأشرار, طريق الخطاة, ومجلس المستهزئين, فقد كانت هذة ساعتهم وسلطان الظلمة.

.

وفي النور المشرق من بدر الفصح في علاه, وعلي ضوء مشاعلهم, أبصر الرب وجوه الخزي وعرفها. أبصر الوجوه القبيحة والقسمات الغليظة والسواعد العنيفة. أبصر رجالاً هو مُزمع أن يموت من أجلهم, مصالحاً وفادياُ ومُخلصاً ليغفر لهم الزلات والآثام, ولا يعود يذكر تعدياتهم, واحتيالهم الدنيء لموته!

.

وفي النصف الأول من الجماعة, وجد واحداً يعرفه تمام المعرفة. في المقدمة صاحب, قسماته معروفة وملامحه محفوظة, فلماذا جئت يا صاحب هذة الساعة المظلمة؟ لماذا اخترت رفقة هذة الجماعة الظالمة بدلا من رفقته؟ ومن أين أنت قادم وإلي أين نهاية المسير؟ ما الذي احتواه قلبك وأي شيء لامع قبضته يداك؟ في خطواتك تردد وخذلان, وساقاك ترتجفان, وفي عينك بريق جشع ولمعان مشين!!

.

كل الخطاة غُفرت لهم خطاياهم, كل هذا الجمع سامحه يسوع لأنهم فعلوا بجهل في عدم معرفة, فلو عرفوا لما صلبوا رب المجد. أما أنت يا صاحبي, يا رجل سلامتي وأمانتي, يا آكل خبزي, فكان خيراً لك لو لم تولد! الويل ليهوذا الإسخريوطي!!. فإن كل التجاديف والإساءات غُفرت إلا خطيئته المميتة, لأنه كان يعرف يسوع معرفة اليقين, ابن الله الوحيد الحبيب.

.

ثلاث سنوات تتبعه يا صاحب, وكم كانت رفقته رقيقة أيها التلميذ المتمرد؟ ولكن ليس خفي لن يُعرف ولا مكتوم لن يُستعلن. فأن الحسد والخيانة والجحود كشفت عن نفسها بعد أن ظلت مستترة فيك ثلاثة أعوام, حين خرجت من وليمة بيت عنيا إلي جماعة المتآمرين علي نفس يسوع البريئة. ساومتهم مساومة وضيعه علي نفسه, طلبت أكثر فطلبوا أقل! تارة بالإغراء, وتارة بالوعيد, وفي النهاية تمت المشورة برضا الجانبين, بثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي الذي باعوه, ملك الملوك!

.

جُرحت يا حبيبي .. جرحت بيد واحد من مختاريك, رجل أمانتك رفع عليك عقبه. وحين اشتهيت في ذلك المساء أن تأكل الفصح مع الذين أحببتهم إلي المنتهي, أجلسته إلي جوارك وسمع أنينك الخافت المتوجع وأنت تنطق عبارة الحزن العميق "الحق أقول لكم أن واحد منكم سيسلمني". وكسرت الخبز وباركت, ملأت الكأس وشكرت, وقدمت له أيضاً فلم يتراجع أو يلين!

.

ولما ائتزر يسوع بالمنشفة وصب الماء في المغسل وغسل أرجل تلاميذه, كانت منها قدمان أزمعتا السير في وحل الجحود والخيانة. وفي النهاية غمس يسوع اللقمة في الصحفة وأعطاها ليهوذا. والتقت عينا الرب الصافيتان الدامعتان بنظرات الخيانة والسقوط, فتمتمت الشفتان المرتعشتان "هل هو أنا يا معلم"؟ وجاءت كلمة الحق الصريح "أنت قلت".

.

وأغلق القلب في وجه النعمة إغلاقا أخيراً, وللوقت دخله الشيطان. قام عن العشاء وخرج ليلا في طريق معلوم, وكلمات يسوع تصم أذنيه كالرعد القاصف "ما أنت فاعله فأفعله بأكثر سرعة". وفي البستان الباكي, جاء الصاحب علي راس الجماعة! وتقدم إلي يسوع وقبله قبلة صارت مثلا في الخيانة والجحود, ونادي متعلماً "سيدي, يا معلم". ولكنه من تلك الساعة لم يعد لك يا يهوذا سيداً أو معلماً. قيدوه وأوثقوه أمامك, لعنوه ولطموه قدامك, وكأنما علي لص خرجوا عليه بالسيوف والعصي!

.

يا يهوذا قد كتبت صفحة دينونتك بأناملك, فإن الخطية والثلاثون من الفضة ألهبت كفيك نار جحيم دينون لا تتوني المميتة تحمل معها بذرة قصاصها. القبلة الغاشة أحرقت شفتيك, هلاك لا ينغس, نار لا تُطفأ, ودود لا يموت! والصرخة المعذبة في فمك "إني أسلمت دماً بريئاً"!!

.

وفي الصباح الباكر كان يسوع خارجا حاملاً صليبه, وكان يهوذا معلقاً بين السماء والأرض! تلك خاتمة مأساة نفس مدانة, وحياة محزنة تركت طابعها المفجع في كل الأجيال. سقطت عنه رتبته وأُعطيت لأخر, وحصد اللعنة والهلاك, وله اسم الخزي إلي الأبد "يهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه"!

.

* من كتاب "الوقت المقبول" للدكتور نجيب عازر بسطوروس

الجزء الثاني - إغسطس 1962

Related Posts with Thumbnails