بقلم نشأت المصرى
قضية خلق الإنسان والتي شغلت فكر كثير من العلماء والتي أوقعت الكثيرين منهم في الإلحاد والكفر بالله أو نسب الجهالة لله, كما قال الدكتور زغلول النجار متهكماً على أقوال الوحي الإلهي على فم موسى النبي في سفر التكوين متشككاً ومٌشككاً السامعين إليه في أن الله لا يمكن إن يخلق الإنسان على شبهه.
عندما يقول الدكتور زغلول النجار أن الكتاب المقدس محرف وليس فيه كلمة صحيحة, فنقول له هذا رأيك, وهذا كتابنا الذي نؤمن به, ولم يطالبك أحد بأن تؤمن أنت به فهذا شأنك وهذا شأننا, ولكن عندما يقول أقوال ملتوية في تفسير آيات الكتاب المقدس وجب علينا تصحيح هذا الفهم الخطأ, والذي يضل كثيرين من السادة القراء والمستمعين إليه.
هناك كثيرين من الملحدين وقعوا فريسة لإنكار وجود الله، أو نسبوا الجهل لله في الخلق, أو بمعنى أدق لقد رفضوا الله, كما فعل الدكتور زغلول تماماً وإليك بعض آراء الملحدين في خلق الإنسان:
·قال الملحد الألماني هنري هين (فلنترك السماء للملائكة والعصافير...) مستهيناً بالحياة الأبدية مكتفياً بحياته على الأرض.
·قال الشاعر الفرنسي بريفير (أبانا الذي في السماوات, أبق هناك!) هذا الملحد رفض أبوّة الله له بل رفض الله إله ورقيب عليه.
·جاء ماركس متأثراً برأي الفيلسوف "فوو باخ" ( 1804 : 1872) القائل (أن نقطة التحول الكبرى في التاريخ ستكون اللحظة التي يعني فيها الإنسان أن الإله الوحيد هو الإنسان نفسه) منصباً الإنسان إله ومتجاهلاً وجود الله.
·ورأى ماركس أن الدين تغرب عن الله.
·ورأى الدكتور زغلول النجار (أن الإنسان لا يمكنه أن يكون صورة الله) مرتداً إلى فكر نسب الجهالة لله في عدم مقدرته في خلق الإنسان على صورته ومثاله, بل منحدراً بالإنسان الذي هو أبها الخليقة,, والذي توج الله به الخليقة والذي أعطاه السلطان على كل المخلوقات ليسخرها, منحدراً به إلى مرتبة الحيوان في الخلق.
وإذا درست الكتاب المقدس بصورة شاملة وليس بطريقة تفسير الآية الواحدة تجد أن الله أعطى الإنسان كرامة تفوق كل المخلوقات وأعطاه الأبدية مراث له وكأن الإنسان مخلوق له خاصية مختلفة عن باقي المخلوقات الأخرى, والتي هي: أن الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله, كما في النقاط الآتية:
·ليكون وارثاً لله مع مسيحه.
·شريكاً معه في المجد الأبدي.
·نرى أن الله يجري وراء الإنسان ليضمه إليه لا ليحطمه.
·الله يريد أن يرفع الإنسان إلى ما فوق الحياة الزمنية.
·يقول رب المجد يسوع للإنسان حتى بعد السقوط: "لا أعود أسميكم عبيداً لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده, لكني سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي (يو 15 : 15).
فكيف وبعد كل ما أعده الله للإنسان لا يكون الإنسان ذاته على صورته ومثاله.
إليك عزيزي القارئ بعض آيات من سفر التكوين تخص عملية خلق الإنسان:
26 وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض. 27 فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكراً وأنثى خلقهم. 28 وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملئوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض. 29 وقال الله أني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزراً على وجه كل الأرض وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزراً لكم يكون طعاماً. 30 ولكل حيوان الأرض وكل طير السماء وكل دبابة على الأرض فيها نفس حية أعطيت كل عشب أخضر طعاماً وكان كذلك. 31 ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً وكان مساء وكان صباح يوماً سادساً. وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في انفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية (تك 2 : 7)
هناك اختلاف واضح في خلق أدم عن خلق باقي الخليقة:
فتجد أن الله أعد الخليقة كلها من أجل أدم, ليعملها ويتسلط عليها, أي أن الله أحب جنس البشر وقبل أن يخلقه, لأن طبيعتهم تختلف عن كافة المخلوقات, فهي صورة الله التي يحبها ويأنس إليها.
جبل الإنسان من تراب ليكّون به الهيولي أو الجسد الترابي, ونفخ فيه نسمة حياة والتي صارت روح الإنسان الخالدة والتي سوف يطلبها منه الله وكما هي بقداستها كما أعطاها له الله.
ذكراً وأنثى خلقهم مع بعضهم البعض في وحدانية "هذا قبل أن يأخذ الله الضلع من أدم والمخصصة أن تكون هي حواء", لهذا فقد قدس الله شريعة الزوجة الواحدة منذ الخلق -أي أن الرجل والمرآة جسد واحد وليس بعد اثنين-, ولكن تعدد الزوجات والذي شهد له العهد القديم من الكتاب المقدس دخل إلى العالم كنتيجة للخطية, وعندما أراد الله خلاص البشرية وردها إلى رتبتها الأولى أرجع الإنسان إلى ما هو عليه وحرّم تعدد الزوجات وحرّم الطلاق إلا لعلة الزنا.
رأى الله أن خلق الإنسان حسن جداً, وهذا تميز واضح لأن الإنسان ليس كالحيوان الذي نفسه في دمائه, ولكن الإنسان خالد خلود روح الله التي نفخ بها في أنف الإنسان فصار نفساً حية.
ـ إن كان الإنسان على صورة أخرى غير صورة الله:
·فكيف إذاً تكلم الله مع أدم وكان يأنس إليه في جنة عدن قبل السقوط وعلمه شريعته التي أعدها له,,؟ ( 16 وأوصى الرب الإله أدم قائلاً من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً ,17 وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت).
·وكيف يقبل الله صلاة الإنسان ومناجاته له؟, بل كيف يتعامل الله مع مَن ليس على شاكلته ومثاله ليفهمه ويأنس إليه؟
·ماذا يطلب منّا الله في الحساب الأخير؟, وكأننا كالحيوانات تموت وتفنى لأن صورتها ليست على صورة الله، ولأن الله يطلب منّا الصورة الأولى كما هي بدون أن تلوثها أي خطية لذلك وجب علينا طاعة الله والعمل بوصاياه لكي نحافظ على الصورة الخالدة التي أعطاها لنا الله, والتي هي صورته ومثاله.
·وإذا كنا نأكل ونشرب وغداً نموت, وليس لنا صورة الله التي نحافظ عليها كما هي, فنحن أشقى كل المخلوقات, بل أشقى من الحيوانات, لأننا نتعب ونجاهد وننهي عن هذا ونحلل ذاك, ولا نعيش تبعاً لغرائزنا الحيوانية بل نسعى أن ننشط بالروح التي أعطاها الله لنا في صورته ومثاله, بالطبع لا داعي لكافة الأديان التي من خلالها تهذب النفس وترتفع بها للخالق الباري بكل طاقتها, أي أنه إن لم نؤمن أننا صورة الله فإننا نكفر بكافة الأديان.
·إن لم يكون لك صورة الله فليس لك علم ولا تعليم وليس لك عقل ولا تدبير لأن هذه من صفات الله في صورته.
·نحن المسيحيين لأننا نؤمن ونوقن أننا صورة الله وشبهه ومثاله, لهذا نحن نستكين إليه وهو يستكين فينا, كما يقول معلمنا بولس الرسول: أنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم, لهذا نجاهد وننتصر, في هذا العالم, لنربح الأبدية في الدهر الآتي.
ولكن ما هي صورة الله فينا؟
الله أعطانا صورته وشبهه ومثاله في حرية الإرادة, والخلود الأبدي, والعقل والتمييز, التأمل والإدراك. كافة هذه الصفات استمرت مع كافة البشر حتى بعد السقوط, واستمرت مع كافة البشر اللذين قبلوا الخلاص واللذين لم يقبلوه, لأن الله يعطي بسخاء ولا يعيّر, الفرق الوحيد هو في الخلود لأن النفس الطاهرة سوف تخلد في النعيم الأبدي والنفس الغير طاهرة في الجحيم الأبدي.
أما صورة الله التي فقدت أو انتزعت من البشر بفعل الخطية, وهي منتزعة من كل خاطئ, هي صورة الله في الإنسان الداخلي كما يقول المزمور أن مجد ابنة الملك من الداخل في الإنسان العديم الفساد,, والتي عبر عنها معلمنا بولس الرسول أنها تعطى كثمار الروح القدس في النفس:
وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان (غل 5 : 22).
لأن ثمر الروح هو في كل صلاح و بر و حق (أف 5 : 9).
لأن الأخيرة مرتبطة بالروح الخالدة, فهي شبه مخصصة لأرواح القديسين على الأرض وفي السماء.
لهذا تجد هذه الصفات نتيجة للحياة الطاهرة البعيدة عن الخطية.
والباب أيضاً مفتوح لكل من يريد ثمار الروح ويتمتع بصورة الله المنتزعة منه بفعل الخطية, أن يرجع إلى الله مبتعداً عن الخطية متمسكاً بالتقوى للحياة الأبدية, ممارساً لوسائط النعمة التي من شأنها أن ترد الخطاة إلى فكر الأبرار, لهذا المسيحي المتمتع بثمار الروح وبصورة الله داخله يعيش في سلام ومحبة وفرح لا ينتزع منه في هذا الدهر بل وفي الدهر الآتي أمين.
اللذين لهم صورة الله لا يخافون الموت, لأن الموت ليس موت ولكنه انتقال, ولأن الموت دخل إلى العالم بفعل الخطية لأن أجرة الخطية هي موت, أما من انتزعت منهم صورة الله بفعل خطاياهم سواء الخطايا الموروثة أو الخطايا الخاصة بهم, فإنهم يخافون الموت, ويصفونه بصور بشعة مخيفة, كأن ملكاً (الشيطان) يظهر لهم بصورة مرعبة فينشف دمه فيه فيقبض على روح الخاطئ فيموت, هذا الفعل يفعله الشيطان لك من ليس لهم صورة الله في الإنسان الداخلي عديم الفساد (الروح الخالدة) فتقع في دينونة جهنم.
أخيراً:
قصة الخليقة وردت فقط في سفر التكوين الذي لموسى النبي وهي المرجع الوحيد في هذا الشأن والذي استقت منه جميع الأديان على وجه الأرض, فإن كان خطأ, فأين الصواب إذا؟, ومتى كتب؟!!! ومن الذي كتبه؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق