يرد الأستاذ الفاضل علي سؤالي السابق (هل حد السرقة يعتبر إعجاز تشريعي؟), ويقول:
"الإعجاز في قطع يد السارق هو الحل لمشكلة السرقة.. حل مشكلة السرقة هو قطع يد السارق اليسري لو كان أيمن, واليمنى لو كان أعسر (يستعمل ايده الشمال) حتى لا يفقد القدرة على الكسب.. وتظل العقوبة هي التي تجعل الإنسان يرتدع.. حد السرقة في كام لم يحددها الإسلام.. ربنا قال السارق تقطع يده.. لكن تحديد المقدار الواجب فيه القطع ترك تقديره للزمان والمكان والظروف.. لكن ممكن إنت تقولي إيه الحل عندك لمشكلة السرقة؟"
أستاذي المحترم, حضرتك لو بحثت جيداً في التاريخ ستجد أن الرومان مثلاً كانت لديهم قوانين أكثر صرامة وشدة من أي قوانين أخري جاءت بها الشريعة الإسلامية. فعلي سبيل المثال كانت عقوبة السارق في قوانين الإمبراطورية الرومانية لا تكتفي بسجنه أو جلده أو حتي قطع يده كما هو الحال في الإسلام لكنها كانت تأمر بصلبه أي تسمير يديه ورجليه علي خشبتين متعمدتين وتركه يتألم وينزف حتي الموت! ولك أن تتخيل مدي قسوة هذة العقوبة ومدي العذاب والآلام الجسدية الرهيبة التي كان يعانيها المصلوب لعدة ساعات حتي يموت في النهاية أبشع ميتة! بلا شك أن عقوبة الصلب الرومانية هي العقوبة الأكثر ردعاً من عقوبة قطع اليد الإسلامية بل ومن أي عقوبة أخري في التاريخ. فهل كانت قوانين الإمبراطورية الرومانية تُعد إعجازاً "تشريعياً" هي الآخري كالحدود في الشريعة الإسلامية..؟! يا عزيزي الفاضل, لو كان الإعجاز التشريعي يًُقاس بمدي قسوة العقوبات لأصبحت قوانين الرومان هي أعظم القوانين وأكثرها إعجازاً عن أي قوانين أخري!
وكما قلت لك لا أظن أنه يوجد عقوبة في التاريخ أبشع من عقوبة الصلب, ومع ذلك دعني أقول أنه بالرغم من صرامة هذة العقوبة المميتة إلا أن حوادث السرقة والإجرام لم تنتهي من الوجود حتي في المجتمعات التي كانت تحكمها القوانين الرومانية. فالتاريخ لم يشهد علي الإطلاق بأن قسوة العقوبة قد ردعت الإنسان في يوماً من الأيام من أن يقوم بارتكاب الجرائم. أخي الفاضل, لتعلم جيداً انه أياً كانت العقوبة وأياً كانت شدتها, فسيظل الإجرام موجود في كل مكان وكل زمان. لأن من يقوم بالجريمة هو غالباً شخص لا يفكر في عواقب ذلك ولا يفكر في العقوبة أياً كانت قسوتها! وإذا كان السارق لا يخشى من عقاب الله له وتعذيبه في نار الجهنم الأبدي, فهل يخشى من قطع يده اليمني أو اليسري..؟!!
أما عقوبة قطع اليد في الشريعة الإسلامية فكانت تطبق علي السارق إذا سرق شيء ثمنه أكثر من ربع ديناراً أو أكثر. والدليل علي ذلك موجود في كتب الأحاديث النبوية, فيذكر لنا كتاب البخاري أن الرسول (صلعم) قد قال: "تُقطع اليد إذا سرق شيء ثمنه ربع ديناراً فصاعداً. لعن الله السارق, يسرق البيضة فتقطع يده أو يسرق الحبل فتقطع يده" (راجع صحيح البخاري – جزء 8 \ ص 199- 201). وفي نفس هذة الصفحات يؤكد لنا البخاري أن السيدة عائشة زوجة الرسول قالت أن محمداً (صلي عليه وسلم) كان يقطع يد السارق إذا سرق مجن ثمنه ثلاثة دراهم. إذن يا أخي الفاضل الأحاديث النبوية واضحة وصريحة في هذا الأمر ويمكن أن ترجع إليها وتتأكد بنفسك. تُقطع يد السارق إذا سرق بيضة أو حبل! وجميع المفسرين وليس البخاري وحده قد أجمعوا كلهم وقالوا في ربع دينار أو ثلاثة دراهم كان الرسول محمد يقطع اليد. وبناءاً علي هذة الأحاديث, فإن ادعائك بأن قطع اليد يتم تقديره حسب الظروف والأحوال هو ادعاء غير صحيح. لأنه حتي إذا إفترضنا أن عملة الدينار وقت الرسول كانت لها قيمة مادية أعلي بكثير من الدينار الحالي, فالحديث قد أكد أن حد السرقة واجب حتي إذا قام السارق بسرقة أشياء تافهة لا قيمة لها كالبيضة أو حبل الغسيل مثلاً!! وأعتقد أن تطبيق الشريعة في الإسلام لا يعتمد فقط علي القرآن الكريم بل علي الأحاديث النبوية أيضاً.. أليس كذلك؟
أستاذي المحترم, حضرتك تحدثت عن حد السرقة في الإسلام وأكدت أن القطع يتم في اليد اليسري إذا كان الشخص أيمن واليد اليمني إذا كان الشخص أعسر أي أنك تريد أن تقول أن قطع اليد لن يعوق الشخص السارق من أن يعمل عملاً شريفاً يتكسب منه فيما بعد. وقد يكون كلامك صحيحا إلي حد ما. ولكن حضرتك غفلت أمر هام جداً ألا وهو الجانب النفسي للشخص الذي يًُنفذ فيه حد السرقة, وإحساس هذا الشخص الدائم بالخزي كلما نظر أحداً إليه ورأي يديه قد قُطعت. فإنك بقطع يديه تكون قد أوصمته وصمة عار طوال حياته حتي وإذا كان هذا الشخص قد قرر التوبة عن جميع جرائمه التي ارتكبها. فأين الرحمة والمغفرة والتسامح التي جاءت بها الشريعة الإسلامية..؟!! وأين مبدأ "إذا بُليتم فاستتروا" وهذا الكلام الذي تتشدقون به ليلاً ونهاراً في وسائل الإعلام وها أنت تحكم علي شخص بأن تُقطع يديه ليظل موصوماً في مجتمعه بالخزي والعار حتي مماته وذلك لمجرد أنه سرق بيضة ثمنها ربع دينار..؟!!
نقطة أخيرة أريد أن أستفسر عنها منك وللأسف لم أجد لها إجابة واضحة من كثيرين وهي ألا تتفق معي في أن عملية بتر اليد والتي كانت تتم بطريقة بدائية في شبه الجزيرة العربية منذ 14 قرناً هي عملية في غاية الخطورة وقد ينتج عنها مضاعفات أشد خطراً بحيث إنها من الممكن أن تؤدي إلي وفاة الشخص المحكوم عليه بالحد..؟! فإذا كانت نسبة الوفيات التي تحدث كمضاعفات لعمليات البتر الكبرى (major amputations) في الوقت الحالي تصل إلي 10% من الحالات وذلك بالرغم من التقدم الطبي الهائل, فكم كانت نسبة الوفيات التي حدثت كمضاعفات لعمليات قطع الأطراف (الأيدي والأرجل) منذ 1400 سنة مثلاً وفي عصر يتسم بالتخلف العلمي والجاهلية كما تقولون..؟! هل تري أن سرقة بيضة واحدة أو حتي بقرة تستحق أن يموت شخصاً من النزف وبهذا الشكل..؟!! هل هذا هو العدل الإلهي.. ؟!! يا أخي, إن الله أرحم بكثير من أن يطالب بقطع يد إنسان وتعريضه لخطر الموت من أجل سرقته لشيء ثمنه ربع دينار!
.
وعلي حسب ما أعلمه أن بتر عضو من الأعضاء أو قطع طرف من الأطراف البشرية هي عملية ليست بتلك السهولة ليقوم بها جزار مثلاً, ولكنها تحتاج إلي جراح أو علي الأقل طبيب متخصص لديه علم وخبره ودراية بشأن الشرايين والأوردة التي تمر بهذا الطرف الذي سيقوم ببتره, ذلك لأن أي قطع غائر يحدث في أي شريان أو وريد رئيسي قد يُحدث نزيف شديد ومستمر لن يتوقف إلا إذا تم ربط وخياطة هذا الوعاء الدموي من الجديد وهي عمليه تسمي بالـ ligation .. إذن فكيف يمكن لطبيب أن يقوم بهذة العملية الجراحية المعقدة في ميدان عام ووسط طائفة المؤمنين التي جاءت لتشاهد تطبيق الحدود بعد صلاة كل يوم جمعة..؟!
فلا تنسي أيضاً أن عملية كهذة تحتاج أيضاً إلي إجرائها في بيئة معقمة حتي لا يصاب الشخص بأي عدوي ميكروبية قد تقضي علي حياته (لأن وقتها لم يكن هناك شيء اسمه البنسيلين)! السؤال الأخر كيف يتمكن أي طبيب (حتي ولو كان رئيس قسم الجراحة) أن يقوم بإجراء هذة العملية الدقيقة التي تحتاج إلي قطع في العضلات ونشر في العظام وخياطة في الأوعية الدموية.. إلخ, والشخص الذي يُنفذ فيه الحكم غير مخدر ولكنه يعي ما يحدث حوله ويشعر بالآلام ويتأوي يميناً ويساراً من شدتها..؟!! أسئلة كثيرة جداً لا أجد إجابات عليها وأتمني أن أجد شخصاً يأتي بالرد علي هذا الكلام. في النهاية, أنا أكن الإحترام لك ولغيرك وليس هدفي التجريح أو الإساءة ولكن فقط الحوار والنقاش الموضوعي.
هناك تعليقان (2):
جميل جدا..كده نقاش علمي هادف..
شوف يا جميل ..الشريعة الإسلامية شريعة وسطية..لا هي مفرطة في العقاب على الجريمة .. و لا هي متسامحة مع الجريمة لان الجريمة تظل جريمة.. السرقة تظل سرقة..اللي يسرق الحبل و لا يعاقب او يسرق البيضة و لا يعاقب هيسرق البقرة و هيسرق المحفظة و هيسرق حاجات تانية لان القاعدة بتقول((من أمن العقوبة أساء الأدب))
القانون الروماني كان يقوم بقتل السارق بتلك الطريقة البشعة..و هي عقوبة غير متناسبة مع حجم الجرم و لا من نوعه.. السارق تقطع يده التي هي العضو الطبيعي الممارس للفعل ..
((لا يمكن تطبيق نفس الوضع على الزاني لان في هذا تدمير لحياته))أما بالنسبة للوصم فلماذا أفكر أنا في الوصم و الألم النفسي لهذا المجرم, و هو الذي لم يفكر فيه ؟
هناك نقطة أخري أخي ..الحدود في الإسلام مش عمال على بطال بل هناك قواعد شديدة تحكمها .. مثل قاعدة ادرؤا الحدود بالشبهات .. و قاعدة الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة ..القاعدة الأولى تمنع تنفيذ الحد أيا كان طالما هناك شبهة في ارتكاب الفعل مثل تضارب أقوال الشهود أو وجود شبهة اكراه أو خطأ أو أنه جائع..الخ و عندها يصبح العفو واجبا و حتى لو كان الجاني بيستهبل ساعتها يكون الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة ..
حاجة تانية أهم من كل ما سبق ..هذه العقوبة تطبق على الجميع الغني و الفقير ..بينما أهلك الأمم السابقة أنهم كانو يطبقونها على الفقير فقط و لا يطبقونها على الأغنياء ..
و زي ما قلت لك قبل كده..الحدود تشريع إلهي .. من الله الحكيم العليم الخبير الذي يعلم عباده و ما يصلحهم..
و فكر فيها من وجهة نظر اللي اتسرق و ليس من وجهة نظر المسروق..
فكر فيها من وجهة نظر أبناء القتيل و زوجته و أمه و أهله و ما تفكرش فيها من وجهة نظر القاتل.
بالنسبة للرعاية الطبية فلم نسمع على مدى العصور عن أحد مات نتيجة تطبيق حد السرقة عليه ..إذن ما المشكلة ؟ و لا أدري لو مات (لو) هل يدفع لأهله الدية أم لا ؟
هاسألك سؤال :لو واحد مراته بتولد أو معاه واحد مصاب بأزمة قلبية و الطريق للمستشفى صعب يحتاج منه انه يمشي عكسي علشان يلحق (لاحظ ان دي حالة شاذة تنطبق فقط على من يسرقون ليحفظو حياتهم)ممكن نسمح له انه يمشي عكسي..لكن تخيل ان كل واحد مشي عكسي في الطريق ؟حوادث و كوارث و موت..الحل يكمن في العقوبة.. لأن للأسف الطبيعة البشرية (إذا أمنت العقوبة أساءت الأدب) و قليل من هم محسنون يعاملون الله كانهم يرونه.و بالتالي يستشعر مراقبة الله له فتكون حاجزا عن المعاصي.
موضوع صغير عاوز أعلق عليه..
الرسول تزوج السيدة عائشة و عمرها تسع سنوات ..صحيح ولا ننكره و لا حتى نستنكره.. أولا : هو نبي و شخص موثوق الأخلاق و الصفات ..فهل يمتنع عن الزواج من الأكبر سنا ليتزوج طفلة ثم يتزوج من هن أكبر بكثيييير منها لمجرد اشباع شهواته . أنت بذلك تظلمه ظلما فادحا..كل ما يفعله الرسول هو بتوجيه من الله .
ثانيا: ما أدراك أنها كانت طفلة؟إن أقل سن للبلوغ هو تسع سنوات..يعني لم تكن طفلة بل امرأة حديثة السن
ثالثا: السيدة عائشة كانت مخطوبة قبل النبي لرجل من قريش و عمرها ست سنوات.. يعني الموضوع لم يكن مستهجنا و لا مستنكرا في تلك البيئة..
رابعا :طبيعة البيئة العربية الحارة تجعل الشخص ينضج بسرعة أكبر من البيئة الباردة لأوروبا.. و بالتالي ما ينطبق عليهم لا ينطبق على بلادنا.. و مع ذلك إليك الخبر التالي
http://www.alarabiya.net/articles/2009/02/13/66375.html
ثم الخبر الذي يليه
http://www.alarabiya.net/articles/2009/03/26/69293.html
طفل عمره 12 سنة ينجب ؟
طفلة عمرها 15 سنة تنجب ؟ بل و مارست الجنس مرات متعددة قبل ذلك؟
و كل ذلك بدون زواج.. يعني زنا
طيب يعني حرام السيدة عائشة تتزوج و حلال دول يزنو ؟
ثم ما المانع في تلك البيئة القديمة حيث لا مدارس و لا تعليم و لا شهادات و لا وظائف من الزواج بمجرد البلوغ ؟
لا شئ يمنع بل على العكس .. بمجرد ان الولد يشتد عوده كان يتزوج.. و كذلك البنت.
أشكرك لسعة صدرك و أتمنى أن تتجاوز مرحلة التشكيك في الإسلام و انتقاد أحكامه إلى الفهم و التفهم لهذا الدين.
أعتذر للتأخر في الرد لانشغالي الفترة السابقة .
عاوز بس أقلكم أنكم مكبرين الموضوع جداً وبتتفرعوا من موضوع لاخر دون داعى للخوض فى تلك المواضيع خلينا بس فى موضوع الحدود
الحدود لا تطبق إلا فى أضيق الحدود ولها شروط وأركان ولجب توافرها زى شهود العدول وعددهم 4 وخلافه وفى السرقه بالذات انت غلطان فى موضوع البيضه دى (ههههههههههههه )فعمر بن الخطاب رضى الله عنع لم يقطع يد سارق التمره لانه كان جائعاً وقال لو كان على احد حد فهو انا لانى سئسل عنه لما لم اطعمه وفى العصر الحديث سرق رجل ( قرص طعميه ) فى السعوديه وطلبوا العفو عنه لنفس المنطق منطق الجوع .... أرجع إلى التاريخ واعرف كم مره أقيمت الحدود وستعرف مدى التسامح وان تلك العقوبات المغلظه هى من باب الترهيب ولابد من تطبيقها فى الحالات المؤكده ليعتبر صاحب العقل وليرتدع كل جبار
هدا الله الجميه إلى ما يحب ويرضى
إرسال تعليق